الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)
أي: نغذى ونعلل. قال ابن قتيبة: لا أدري ما حمله على هذا التفسير المستكره مع أن السلف فسرّوه بالوجوه الواضحة. {انظر كَيْفَ ضَرَبُواْ لَكَ الأمثال} أي قالوا تارة: إنك كاهن، وتارة ساحر، وتارة شاعر، وتارة مجنون {فضّلواْ} عن طريق الصواب في جميع ذلك {فَلاَ يَسْتَطِيعْونَ سَبِيلاً} إلى الهدى أو إلى الطعن الذي تقبله العقول ويقع التصديق له لا أصل الطعن، فقد فعلوا منه ما قدروا عليه؛ وقيل: لا يستطيعون مخرجاً لتناقض كلامهم كقولهم: ساحر مجنون.وقد أخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في قوله: {إِذًا لاَّبْتَغَوْاْ إلى ذِى العرش سَبِيلاً} قال: على أن يزيلوا ملكه.وأخرج سعيد بن منصور، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي في الأسماء والصفات عن عبد الرحمن بن قرط: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به إلى المسجد الأقصى كان جبريل عن يمينه وميكائيل عن يساره، فطارا به حتى بلغ السموات العلى، فلما رجع قال: «سمعت تسبيحاً من السموات العلى مع تسبيح كثير سبحت السموات العلى من ذي المهابة مشفقات لذي العلوّ بما علا، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى».وأخرج ابن مردويه عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو جالس مع أصحابه إذ سمع هدّة فقال: «أطت السماء ويحقها أن تئط، والذي نفس محمد بيده ما فيها موضع شبر إلاّ فيه جبهة ملك ساجد يسبح بحمده».وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بشيء أمر به نوح ابنه؟ إن نوحاً قال لابنه: يا بني آمرك أن تقول: سبحان الله، فإنها صلاة الخلائق، وتسبيح الخلق، وبها يرزق الخلق» قال الله تعالى: {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ}.وأخرج أحمد، وابن مردويه من حديث ابن عمر نحوه.وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي أمامة قال: ما من عبد سبّح تسبيحة إلاّ سبّح ما خلق الله من شيء، قال الله {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} قال ابن كثير: إسناده فيه ضعف.وأخرج البخاري ومسلم وغيرهم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قرصت نملة نبياً من الأنبياء، فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحي الله إليه: من أجل نملة واحدة أحرقت أمة من الأمم تسبح».وأخرج النسائي، وأبو الشيخ، وابن مردويه عن ابن عمرو قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الضفدع وقال: «نقيقها تسبيح».وأخرج أبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} قال: الزرع يسبح وأجره لصاحبه، والثوب يسبح ويقول الوسخ: إن كنت مؤمناً فاغسلني إذن.وأخرج أبو الشيخ عنه قال: كل شيء يسبح إلاّ الكلب والحمار.وأخرج ابن راهويه في مسنده من طريق الزهري قال: أتى أبو بكر بغراب وافر الجناحين، فجعل ينشر جناحيه ويقول: ما صِيد من صيدٍ ولا عضد من شجرة إلاّ بما ضيعت من التسبيح.وأخرجه أحمد في الزهد، وأبو الشيخ عن ميمون بن مهران قال: أتى أبو بكر الصديق فذكره من قوله غير مرفوع.وأخرجه أبو نعيم في الحلية، وابن مردويه من حديث أبي هريرة بنحوه.وأخرج ابن مردويه من حديث ابن مسعود بمعنى بعضه.وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي الدرداء بمعناه.وأخرج ابن عساكر من حديث أبي رهم نحوه.وأخرج ابن المنذر عن الحسن قال: هذه الآية في التوراة كقدر ألف آية {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ} قال: في التوراة تسبح له الجبال ويسبح له الشجر، ويسبح له كذا ويسبح له كذا.وأخرج أحمد، وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: صلى داود ليلة حتى أصبح، فلما أصبح وجد في نفسه سروراً، فنادته ضفدعة: يا داود، كنت أدأب منك قد أغفيت إغفاء.وأخرج البيهقي في الشعب عن صدقة بن يسار قال: كان داود في محرابه فأبصر دودة صغيرة ففكر في خلقها وقال: ما يعبأ الله بخلق هذه، فأنطقها الله فقالت: يا داود، أتعجبك نفسك، لأنا على قدر ما آتاني الله أذكر لله وأشكر له منك على ما آتاك الله، قال الله: {وَإِن مّن شَئ إِلاَّ يُسَبّحُ بِحَمْدَهِ}. وفي الباب أحاديث وروايات عن السلف فيها التصريح بتسبيح جميع المخلوقات.وأخرج أبو يعلى، وابن أبي حاتم، والحاكم وصححه، وابن مردويه، وأبو نعيم، والبيهقي عن أسماء بنت أبي بكر قال: لما نزلت: {تَبَّتْ يَدَا أَبِى لَهَبٍ} [المسد: 1] أقبلت العوراء أم جميل ولها ولولة، وفي يدها فهر وهي تقول: ورسول الله جالس وأبو بكر إلى جنبه، فقال أبو بكر: لقد أقبلت هذه وأنا أخاف أن تراك، فقال: إنها لن تراني، وقرأ قرآناً اعتصم به كما قال تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} فجاءت حتى قامت على أبي بكر فلم ترَ النبيّ فقالت: يا أبا بكر بلغني أن صاحبك هجاني، فقال أبو بكر: لا وربّ هذا البيت ما هجاك، فانصرفت وهي تقول: قد علمت قريش أني بنت سيدها، وقد رويت هذه القصة بألفاظ مختلفة.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَإِذَا قَرَأْتَ القرءان جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة حِجَابًا مَّسْتُورًا} قال: الحجاب المستور: أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به، أطاعوا الشيطان فاستحوذ عليهم.وأخرج ابن أبي حاتم عن زهير بن محمد في الآية قال: ذاك رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن على المشركين بمكة سمعوا قراءته ولا يرونه.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَلَّوْاْ على أدبارهم نُفُوراً} قال: الشياطين.وأخرج ابن مردويه عنه في قوله: {إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ} قال: عتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن المغيرة والعاص بن وائل.
وقول الراجز الآخر: وقال آخر: {وَيَقُولُونَ متى هُوَ} أي: البعث والإعادة استهزاء منهم وسخرية {قُلْ عسى أَن يَكُونَ قَرِيبًا} أي: هو قريب، لأن عسى في كلام الله واجب الوقوع، ومثله {وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ الساعة تَكُونُ قَرِيباً} [الأحزاب: 63]، وكل ما هو آتٍ قريب {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ} الظرف منتصب بفعل مضمر أي: اذكر، أو بدل من {قريباً} أو التقدير: يوم يدعوكم كان ما كان، الدعاء: النداء إلى المحشر بكلام يسمعه الخلائق، وقيل: هو الصيحة التي تسمعونها، فتكون داعية لهم إلى الاجتماع في أرض المحشر {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} أي: منقادين له، حامدين لما فعله بكم، فهو في محل نصب على الحال. وقيل: المعنى: فتستجيبون والحمد لله كما قال الشاعر: وقد روي أن الكفار عند خروجهم من قبورهم يقولون: سبحانك وبحمدك؛ وقيل: المراد بالدعاء هنا البعث، وبالاستجابة: أنهم يبعثون، فالمعنى: يوم يبعثكم فتبعثون منقادين {وَتَظُنُّونَ إِن لبثتم إِلاَّ قَلِيلاً} أي: تظنون عند البعث أنكم ما لبثتم في قبوركم إلاّ زمناً قليلاً، وقيل: بين النفختين، وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين النفختين، وذلك أربعون عاماً ينامون فيها، فلذلك {قَالُواْ مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [ياس: 52]، وقيل: إن الدنيا تحقرت في أعينهم وقلّت حين رأوا يوم القيامة، فقالوا هذه المقالة. {وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ التي هي أَحْسَنُ} أي قل: يا محمد لعبادي المؤمنين: أن يقولو عند محاورتهم للمشركين الكلمة التي هي أحسن من غيرها من الكلام الحسن كقوله سبحانه: {وَلاَ تجادلوا أَهْلَ الكتاب إِلاَّ بالتى هي أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]. وقوله: {فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيّناً} [طه: 44] لأن المخاشنة لهم ربما تنفرهم عن الإجابة أو تؤدي إلى ما قال سبحانه: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]. وهذا كان قبل نزول آية السيف، وقيل: المعنى: قل لهم يأمروا بما أمر الله وينهوا عما نهى عنه، وقيل: هذه الآية للمؤمنين فيما بينهم خاصة، والأوّل أولى كما يشهد به السبب الذي سنذكره إن شاء الله {إِنَّ الشيطان يَنزَغُ بَيْنَهُمْ} أي: بالفساد وإلقاء العداوة والإغراء.قال اليزيدي: يقال نزغ بيننا أي: أفسد.وقال غيره: النزغ الإغراء {إِنَّ الشيطان كَانَ للإنسان عَدُوّا مُّبِينًا} أي: متظاهراً بالعداوة مكاشفاً بها، وهو تعليل لما قبله، وقد تقدّم مثل هذا في البقرة. {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ إِن يَشَأْ يَرْحَمْكُمْ أَوْ إِن يَشَأْ يُعَذّبْكُمْ} قيل: هذا خطاب للمشركين. والمعنى: إن يشأ يوفقكم للإسلام فيرحمكم أو يميتكم عن الشرك فيعذبكم، وقيل: هو خطاب للمؤمنين أي: {إن يشأ يرحمكم} بأن يحفظكم من الكفار {أو إن يشأ يعذبكم} بتسليطهم عليكم؛ وقيل: إن هذا تفسير لكلمة {التي هي أحسن} {وَمَا أرسلناك عَلَيْهِمْ وَكِيلاً} أي: ما وكلناك في منعهم من الكفر، وقسرهم على الإيمان؛ وقيل: ما جعلناك كفيلاً لهم تؤخذ بهم، ومنه قول الشاعر: أي: كفيل. {وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِمَنْ في السموات والارض} أعلم بهم ذاتاً وحالاً واستحقاقاً، وهو أعمّ من قوله: {رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِكُمْ} لأن هذا يشمل كل ما في السموات والأرض من مخلوقاته، وذاك خاص ببني آدم أو ببعضهم، وهذا كالتوطئة لقوله: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النبيين على بَعْضٍ} أي: إن هذا التفضيل عن علم منه بمن هو أعلى رتبة وبمن دونه، وبمن يستحق مزيد الخصوصية بتكثير فضائله وفواضله.وقد تقدّم هذا في البقرة.وقد اتخذ الله إبراهيم خليلاً، وموسى كليماً، وجعل عيسى كلمته وروحه، وجعل لسليمان ملكاً عظيماً، وغفر لمحمد ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، وجعله سيد ولد آدم. وفي هذه الآية دفع لما كان ينكره الكفار مما يحكيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من ارتفاع درجته عند ربه عزّ وجلّ، ثم ذكر ما فضل به داود، فقال: {وَءاتَيْنَا داود زبورا} أي: كتاباً مزبوراً. قال الزجاج: أي فلا تنكروا تفضيل محمد وإعطاءه القرآن فقد أعطى الله داود زبوراً.وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ورفاتا} قال: غباراً.وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {ورفاتا} قال: تراباً، وفي قوله: {قُلْ كُونُواْ حِجَارَةً أَوْ حَدِيداً} قال: ما شئتم فكونوا، فسيعيدكم الله كما كنتم.وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عمر في قوله: {أَوْ خَلْقًا مّمَّا يَكْبُرُ في صُدُورِكُمْ} قال: الموت، لو كنتم موتاً لأحييتكم.وأخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وابن جرير، والحاكم عن ابن عباس مثله.وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن الحسن مثله أيضاً.وأخرج عبد الله بن أحمد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير نحوه، وزاد قال: فكونوا الموت إن استطعتم فإن الموت سيموت.وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءوسِهِمُ} قال: سيحركونها استهزاءً.وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وَيَقُولُونَ متى هُوَ} قال: الإعادة.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} قال: بأمره.وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير في الآية قال: يخرجون من قبورهم وهم يقولون: سبحانك اللهم وبحمدك.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة {فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ} قال: بمعرفته وطاعته {وَتَظُنُّونَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ قَلِيلاً} أي: في الدنيا، تحاقرت الدنيا في أنفسهم، وقلّت حين عاينوا يوم القيامة.وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن سيرين في قوله: {وَقُل لّعِبَادِى يَقُولُواْ التي هي أَحْسَنُ} قال: لا إله إلاّ الله.وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية قال: يعفو عن السيئة.وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: يقول له يرحمك الله، يغفر الله لك.وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة قال: نزغ الشيطان: تحريشه.وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله: {وَءاتَيْنَا دَاوُودُ زَبُوراً} قال: كنا نحدّث أنه دعاء علمه داود، وتحميد وتمجيد لله عزّ وجلّ ليس فيه حلال ولا حرام، ولا فرائض ولا حدود.وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس قال: الزبور: ثناء على الله ودعاء وتسبيح. قلت: الأمر كما قاله قتادة والربيع، فإنا وقفنا على الزبور فوجدناه خطباً يخطبها داود عليه السلام، ويخاطب بها ربه سبحانه عند دخوله الكنيسة، وجملته مائة وخمسون خطبة، كل خطبة تسمى مزموراً بفتح الميم الأولى وسكون الزاي وضم الميم الثاينة وآخره راء، ففي بعض هذه الخطب يشكو داود على ربه من أعدائه ويستنصره عليهم، وفي بعضها يحمد الله ويمجده ويثني عليه بسبب ما وقع من النصر عليهم والغلبة لهم، وكان عند الخطبة يضرب بالقيثارة، وهي آلة من آلات الملاهي.وقد ذكر السيوطي في الدرّ المنثور ها هنا روايات عن جماعة من السلف يذكرون ألفاظاً وقفوا عليها في الزبور ليس لها كثير فائدة، فقد أغنى عنها وعن غيرها ما اشتمل عليه القرآن من المواعظ والزواجر.
|